ما بين ترقيع الدستور..والغاؤه
لأول مرةٍ يٌعقد فى مصر استفتاءٌ لا تكون نتيجته معروفة أو مٌعدّة مسبقاً , فما أسعدنا به.. انه استفتاءٌ حقيقى سيعبّر من خلاله كل أبناء الوطن الواحد عن آرائهم الحرة وفقاً لرؤية كل منهم دون وصايةٍ أو املاءٍ من أحد , وأصبح هناك فريقان ( فريق نعم , وفريق لا ) يتنافسان على الكسب وجذب المزيد من المؤيدين.
وعلى الرغم من السعادة التى أشعر بها لذلك , الا أنه ينتابنى الشعور بالحيرة حول ما يمكن أن يسفر عنه الاستفتاء على تعديلات الدستور المصرى والذى يُعد نقطة فاصلة فى تاريخ مصر , فلكلٍ من الفريقين وجهة نظره المحترمة , وكل فريقٍ منهما يملك من المبررات الوجيهة التى تدعوا الى الانضمام اليه.
ولكن مما لفت انتباهى بشدة فى خضمّ اختلاف الفريقين , هو الطبيعة الغالبة على أنصار كل فريق
من حيث أيديولوجياتهم وأفكارهم , وأنا هنا سأوضح ذلك - من وجهة نظرى الشخصية - بدون تحيزٍ وساعياً أن أكون موضوعياً قدر ما أستطيع.
ولنبدأ بفريق نعم , فعندما نتأمل أنصاره , نجد أن معظم أعضائه من أصحاب الأحزاب أو الجماعات المنظمة , كالحزب الوطنى ( أو المتبقى منه ) وجماعة الاخوان المسلمون واللذان يملكان خبرةً كبيرةً فى العمل السياسى , وهم يمثلون الفريق الجاهز والمستعد دائماً لخوض الانتخابات فى أى وقت , بالاضافة الى بعض من ينتمون الى تيارات اسلامية مختلفة.
ووجهة نظر هذا الفريق تتمحور حول :
- أن البلاد - منذ قيام الثورة - تعيش حالةً من الفوضى والانفلات على عدة أصعدة (وعلى رأسها الصعيد الأمنى ) وانتشار عمليات الاعتصامات والاضرابات.
- أن هذه الحالة لا يجوز لها أن تستمر لفترة أطول , كون استمرارها لمدةٍ طويلة , يمكن أن يؤدى الى المزيد منها.
- أن القوات المسلحة لا يمكنها الاستمرار فى القيام بمهام الأمن الداخلى بديلاً عن الشرطة - التى يجب أن تعود فوراً للقيام بهذا الواجب.
- أن الجيش لا بد وأن يعود لأداء مهمته الأصيلة فى تأمين حدود الوطن بكامل طاقته وترك مسئولية حكم البلاد الى المدنيين فى أقرب وقت ممكن.
- أن التعديلات الدستورية التى تمت والمزمع اجراء الاستفتاء عليها , كافيةٌ الى حدٍ كبير لوضع مصر على عتبة الطريق الصحيح من أجل حياة ديمقراطية حقيقية كالاشراف القضائى الكامل على الانتخابات وقصر فرص الترشح للرئيس على مدتين رئاسيتين فقط
- أن هذه التعديلات نصت صراحةً على أن يتم وضع دستور جديد للبلاد من خلال لجنة يتم تشكيلها من أعضاء مجلسىّ الشعب والشورى المنتخبين خلال ستة أشهرٍ من انتخابهما , وبالتالى فان جميع مطالب فريق لا سوف تتحقق ان عاجلاً أو آجلاً.
أما فريق لا , فمعظمه من شباب ائتلاف الثورة والتيار الليبرالى ومعظم الأحزاب السياسية - سواء القائمة منها أو تحت التأسيس - والذين يحتاجون الى المزيد من الوقت لترتيب أو لاعادة ترتيب أوراقهم.
وتتمحور وجهة نظرهذا الفريق حول النقاط الآتية :
- أن الثورة قد أسقطت شرعية الدستور القديم بالكامل ولم يعد له وجود أصلاً حتى يتم تعديله , وهو من المطالب الأساسية للثورة منذ البداية.
- أن التغيير الذى نادت به الثورة , لا يتجزّأ , وهى ثورةٌ على كل فاسدٍ تابعٍ للنظام السابق وعلى رأسه دستوره حتى يكون التغيير كاملاً وحقيقياً.
- أن القوات المسلحة قد استجابت بالفعل للأغلبية الساحقة من مطالب الثورة , فما الداعى اذن للابقاء على دستورٍ لا يلبى بقية المطالب المشروعة.
- أنه كان على القوات المسلحة بدلاً من أن تكلف لجنة بتعديل الدستور السابق , كان من الأفضل لها - وللجميع - تكليف ذات اللجنة بوضع دستور جديد , حتى وان استغرق الأمر فترة أطول , بما يعنى بدايةً حقيقية لحلٍ جذرى لكل المشاكل التى خلفها النظام السابق.
- أن الدستور الحالى لا تزال به بعض الثغرات غير المقبولة والتى يمكن أن تجعل التغيير مشوهاً ومنقوصاً , مثل المادة التى تنص على وجوب أن يكون على الأقل نصف أعضاء مجلسى الشعب والشورى من العمال والفلاحين , وهو ما لا يتناسب مع المرحلة الراهنة على الاطلاق.
وقد يرى البعض الأمر من منظور مصلحة كل طرف , حيث يمكن القول بأن من مصلحة الفريق الأول - المنظم جيداً - أن تكون نتيجة التصويت هى نعم , حتى يجنى أفضل النتائج فى ظل المعطيات الراهنة واستعراض قوتهم على أرض الواقع والتى لا تخفى على أحد , ومن ثم محاولة توجيه والتحكم فى الدفة السياسية لمصر فى المرحلة المقبلة.
أما مصلحة الفريق الثانى فتتطلب التصويت بلا , من أجل الحصول على الفرصة المناسبة للدخول بقوة فى انتخابات مجلس الشعب القادمة وعدم ترك الفرصة السانحة للتغيير الحقيقى - من وجهة نظرهم - بالاضافة الى التخوف من عودة فلول الحزب الوطنى الى السطح السياسى من جديد عن طريق مجلس الشعب القادم الذى سيكون له أكبر الدور فى ادارة الحياة السياسية فى مصر - على الأقل لخمس سنوات قادمة.
ومع ذلك , فان هناك الكثير من أبناء الشعب البسطاء الذين ليست لديهم أية ايديولوجية خاصة أو مرجعية تحكمهم , وهم منقسمون وموزعون بين الفريقين , وهو مما يغمرنى بالسعادة حقاً بأن أرى الشعب المصرى يقرر مصيره بنفسه , والأجمل أن أكون واحداً من المشاركين فيه.
هذه بعض الاجتهادات حول هذه المسألة الشائكة دون التشكيك فى وطنية أى من الفريقين ( بما فيهم الكثير من أعضاء الحزب الوطنى ) واشتراكهم جميعاً فى حرصهم على مصلحة مصر , كلٌ من وجهة نظره , وبالتالى فان الأقلية سيقبلون برأى الأغلبية أيا كانت النتيجة , وهو الجانب الأهم.
أسأل الله مخلصاً أن يجنّب مصرنا الفتن , وأن يلهمنا اتخاذ القرار الصائب من أجل مصر حرة ديمقراطية مستقرة خالية من الفاسدين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ليس أجمل من زيارتك الكريمة .. سوى تفضلك بالتعليق
فهذا مما تزداد به أُخوتنا فى الله .. والعمل لما فيه رضاه